لم يَلقَ مدمن المخدرات خلال الفترة السابقة العناية الكافية من كافة الجهات المختصة بمُكافحة المخدرات، ففي السابق كان يُنظر إلى المتعاطي كإنسان لا إرادة له استدرجه أصدقاء السوء وأعوانه حتى جعَلوه يُدمنها، فلما أنفق كل ما يَملكه عليها تحوَّل إلى مُروِّج لها يغرر بالناس كما غُرر به، كما اتَّجهت أصابع الاتهام إلى أصدقاء السوء، وهذا ليس صحيحًا إلا في حالات قليلة للغاية، أما في الغالبية العُظمى من الحالات فإن تعاطي المخدرات وما تبعه من إدمان كان عملاً واعيًا أقدم عليه الشخص عن علم واختيار، وبإرادة كاملة لا ينتقص منها أن يكون قد تأثَّر بعوامل نفسية أو اجتماعية.
ونتيجة لهذه النظرة الضيِّقة إلى مكافَحة المخدرات وجَّهت الحكومات ومؤسساتها على اختلافها كل اهتمامها إلى الأشخاص الذين يَجلبون المخدرات، والذين يتاجرون فيها فشَدَّدت عقوباتهم المرَّة تلو المرة؛ لعل ذلك يُثنيهم عن جلبها والاتجار فيها، ولم تنسَ المتعاطي والمدمن، فشدَّدت العقوبة المنصوص عليها في القانون بالنسبة لهما أيضًا كي يُفيقا ولا يدعا هؤلاء وأولئك يخدعونهما أو يُغرِّرون بهما.
وهكذا خدعت الحكومات وأخطأت؛ حيث أدركَت أن تشديد العقوبات، سواء بالنسبة للجالبين والمهربين والتجار، أو بالنسبة للمتعاطين والمدمنين لا يَكفى بذاته لمنع الفريق الأول من جلب المخدرات والاتجار فيها، ولا لصرف نظر الفريق الثاني وهم المدمنون والمتعاطون عن تعاطيها وإدمانها.
وبالنسبة للفريق الأول فقد سبَق أن أُجريت دراسة إحصائية تحليلية لجرائم جلب المخدرات والاتجار فيها قبل تشديد العقوبات وبعد تشديدها، الأمر الذي دلَّ على أن تشديد العقوبات لا يكفي وحده لمنع الجلب والاتجار فيها، أو حتى للحدِّ منهما، وإنما يجب – فضلاً عن ذلك – منع الطلب على المخدرات أو خفضه إلى أدنى حد ممكن، ذلك أنه طالَما وجد المُهرِّبون والتجار أن المخدرات تعود عليهم بأرباح ضخمة لا تُدرِّها أي تِجارة أخرى فإنهم لن يَنصرِفوا عنها مهما كانت المخاطِر التي تَكتنفها والتي يظنون دائمًا أنهم قادرون على تجنبها والتغلب عليها، من ذلك أن سعر الكيلوجرام من الأفيون في البلاد المُنتجة لا يزيد على عشرة دولارات بينما هو في البلاد المُستهلِكة عشرة آلاف دولار، وفى صناعة الكوكايين يعود توظيف مائة دولار على صاحبها بفوائد تُقدَّر بحوالي مائة ألف دولار!
وهنا يأتي دور الفريق الثاني – أي: المتعاطين والمدمنين – فهم الذين يَشترون المخدرات بالأسعار التي يحدِّدها التجار ومِن قبلهم المهربون والجالبون فيُحقِّقون لهم الأرباح الطائلة التي تُشجِّعهم على الاستمرار في هذه التجارة، وهو ما رأت الحكومات أن تشديد العقوبة من شأنه أن يَجعلهم يُفيقون فيَنصرِفون عنها ويَكفُّون عن شرائها، ونسيَت أن هذا إن صحَّ بالنسبة لمن يتعاطون المُخدِّرات التي لا تَحدُث إدمانًا فإنه لا يصحُّ بالنسبة للمخدرات التي يؤدي تعاطيها إلى الإدمان، والذين لن تُخيفهم العقوبة مهما كانت شديدة؛ لأن حالة الإدمان تجعلهم يستخفون بكل شيء، وبالتالي فإن الطلب سيَبقى وسيقوم التجار بتلبيته مهما كانت المخاطر التي سيُعوِّضونها برفع الأسعار، وهم على ثِقة من أن المدمنين لن يَستطيعوا التوقُّف عن الشراء، وإنما سيَبذلون أقصى ما في وسعهم من الجهد للحصول على المال اللازم للشراء، أما إذا افترضنا عجز التجار عن توفير “الصنف” فإن ذلك لن يجعل المدمن يتوقَّف، بل سيعمل من جانبه للحصول على البديل الذي قد يكون أشد ضررًا من النوع الذي أدمَنه.
ونتيجة للاعتماد على العقوبات الشديدة في مواجَهة المخدرات وطبقًا لما هو حادث حاليًا أصبحت المسؤولية عن مكافحتها مُلقاة على عاتق الشرطة والقضاء والسجون، فالشرطة تلاحق وتَقبِض على الجالبين والمهربين والتجار والمتعاطين والمدمنين لتُقدِّمهم للقضاء الذي يوقع عليهم العقوبات المنصوص عليها في القانون إذا أدينوا، فيودعون بالسجون ليقضوا بها عقوباتهم.
ولعلَّ عدم ظهور آراء مُبتكَرة ومواقف غير تقليدية من مشكلة المخدرات يرجع إلى هذا الوضع غير العملي الناشئ عن اعتقاد المشرِّع أن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من الجهود الشرطية المستمرة والأحكام القضائية السريعة والقاسية، وبالتالي لم يكن غريبًا أن تُكلَّل جهودهم في الغالب بالفَشل الذي كشفَت عنه الزيادة المُستمرة في جرائم المُخدرات من كل الأنواع وزيادة أكبر في الكميات التي يتمُّ ضبطُها كما سيتَّضح من دراساتنا اللاحِقة والتي تُقدِّرها الأمم المتحدة أنها تساوي 10% من الكمية الإجمالية التي يَجري تهريبها إلى داخل الدولة.
إضافةً إلى ذلك كانت هناك جهود إضافية ومُكمِّلة بُذلت على هامش المكافحة (الشرطية / القضائية)؛ مثل الوعظ من جانب بعض رجال الدين في المساجد وغيرها من أماكن الصلاة، والنصح والإرشاد من جانب بعض الأطباء والباحثين في مجال المخدرات في الإذاعة والتلفاز، فضلاً عن المؤتمرات والندوات وورش العمل، وكما تلاحظ فإن هذه الأنشطة كلها موجَّهة إلى الجميع مُدمنين وغير مدمنين، كما أنه يَعيبها السطحية الشديدة الناشئة عن أن الذين قاموا بها كانوا – ولا يزالون – على ثقة من أن شيئًا جادًّا لن يتحقَّق، والأمر في حقيقته لا يزيد عن أن يكون عملاً إجرائيًّا نتيجة الفشل المستمر في الحد من الإدمان والتعاطي.
على الرغم من أن تعاطى المخدرات هو من المشكلات القديمة في عالمنا العربي فإن التفكير في علاج الإدمان من المخدرات لم يظهر عندنا إلا بعد أن قرَّر المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة عام 1958 أن يدعو إلى عقد مؤتمر لإقرار اتفاقية وحيدة للمخدرات، من أجل استبدالها بالمعاهدات المتعدِّدة الأطراف التي كانت قائمة في ذلك الوقت، الذي أصدر عدة قرارات من بينها القرار الثاني الخاص بعلاج الإدمان من المخدرات والذي كان نصه: “إن المؤتمر إذ يشير إلى أحكام المادة 38 من الاتفاقية المتعلقة بمعالجة مُدمني المخدرات وتأهيلهم:
• يعلن أن معالجة المدمنين في المستشفيات في جو خال من المخدرات هو من أنجح وسائل المعالجة.
• يحث الدول الأطراف التي يشكل فيها إدمان المخدرات مشكلة خطيرة على توفير هذه المَرافق، فيما لو سَمحت مواردها الاقتصادية بذلك”.
كذلك أجاز البروتوكول الصادر في 25 مارس 1972 المُعدل للاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 للدول الأطراف أن تَستبدِل العقوبة التي نصَّ عليها القانون بالنسبة لمتعاطي المخدرات بتدابير تُخضعه لإجراءات العلاج والتعليم والتأهيل والرعاية الاجتماعية (المادة 14)، كما جاء في المادة (15) أن على الدول الأطراف أن تهتمَّ باتخاذ الإجراءات اللازمة للوقاية من سوء استخدام العقاقير المخدِّرة، وأن تعمل على علاج المدمنين وإعادة تأهيلهم مهنيًّا واجتماعيًّا حتى يعودوا للمجتمع أفرادًا صالحين قادِرين على العطاء.
وهكذا يكون البروتوكول قد أكَّد أن الجهود لا يجب أن تَقتصِر فقط على التأثير في عَرض المواد المُخدِّرة، بل يجب أن يؤثر والقدر نفسه في الطلب عليها.
وهو نفس ما حرصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثِّرات العقلية؛ حيث أجازت للدول الأطراف أن تطبِّق على المتعاطي – بدلاً من العقوبة – تدابير أخرى؛ مثل العلاج من المخدرات، أو الرعاية اللاحقة، أو إعادة التأهيل بهدف إعادة دمجه في المجتمع (المادة الثالثة فقرة رقم 3 – ب، ج، د).
وعلى المستوى العربي صدرَت الاتفاقية العربية لمُكافحة الاتجار غير المشروع بالمُخدرات والمؤثِّرات العقلية سنة 1994، وقد جاء بالمادة الثانية منها فقرة 3 – ج أنه يجوز بالنسبة للمتعاطين استِبدال العقوبات بتدابير أخرى مثل التوعية والعلاج وإعادة التأهيل وإدماجهم في المجتمع والرعاية اللاحقة لهم.
وبتوقيع الدول العربية على الاتفاقيات والبرتوكولات الخاصة بالمُخدرات والمؤثِّرات العقلية بدا اهتمامها بتطبيقها وخاصةً فيما يتعلَّق بمعاملة المدمنين وعلاجهم.
شَملت الدراسة سبعة فصول كالتالي:
الفصل الأول: التعريف بالمخدرات، والتي أوضحَت في إيجاز أنها هي كل مادة طبيعية أو مُستحضَرة في المعامل مِن شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية أو الصناعية أن تُؤدي بالفرد إلى فقدان كلي أو جزئي للإدراك بصِفة مؤقَّتة وهذا الفُقدان الكلي أو الجُزئي تكون درجته بحسب نوع المخدِّر وبحسب الكمية المُتعاطاة.
ومن أشهر أنواع المخدرات:
• الكحوليات.
• الحشيش (القنب).
• الأفيون.
• المورفين.
• الهيروين.
• الأمفيتامينات (المنشطات).
• الكوكايين.
• القات.
ثم عرَّفت الدراسة الإدمان، والتعاطي، ومراحِل الإدمان، وتطرَّقت الدراسة إلى تصنيف المخدرات بحسب:
• تأثيرها.
• طريقة الإنتاج (طبيعية أو تخليقية).
• بحسب الاعتماد (الإدمان النفسي والعضوي).
• بحسب اللون.
• تصنيف منظَّمة الصحة العالمية.
• بحسب التركيب الكيمائي.
ثم تطرَّقت الدراسة إلى العوامل المرتبطة بتعاطي المخدرات، ثم أهم الآثار المُرتبطة بتعاطي المخدرات.
الفصل الثاني: من الدراسة تحدَّث عن التعاطي وإضراره وتضمَّنت العوامل المؤدية إلى تعاطي المخدرات:
• العوامل الشخصية.
• عوامل البيئة الاجتماعية المحيطة.
ثم آثار المخدرات على المجتمع:
• من الناحية القانونية.
• من الناحية الاقتصادية.
• من الناحية الاجتماعية.
ثم آثار الإدمان على الفرد والأسرة والمجتمع.
الفصل الثالث: من الدراسة عن المكافحة وتداعيات الاتجار غير المشروع، وتحدَّث الفصل عن عدة نقاط أهمها:
• الكشف عن أماكن الزراعة والاتجار (الإنتاج).
• أنماط الاستهلاك.
• أسلوب التهريب ووسائله.
• مجال المكافحة والتصدي.
ثم تحدَّثت الدراسة عن التداعيات الناجمة عن الإدمان من ناحية:
• التداعيات الاجتماعية لإدمان المخدرات.
• التداعيات الاقتصادية لإدمان المخدرات.
• التداعيات الأمنية لإدمان المُخدِّرات.
الفصل الرابع: وتحدَّث عن علاج الإدمان بدءًا من:
• تدابير العلاج.
• وسائل التأهيل وإعادة الاندماج الاجتماعي.
• العوامل التي تؤثِّر على مُحصلة العلاج.
• العوامل المهمَّة والصعوبات المتوقَّعة في العلاج وإعادة التأهيل.
• الدراسة التفصيليَّة لأماكن الرعاية.
• وسائل العلاج الطبيعي ومُعالَجة مدمني المخدرات.
الفصل الخامس: عن الدولة وبُيوت تأهيل المدمنين والتي ظهَر منها توفُّر مراكز الدعاية داخل الدولة في جهات:
• وزارة الصحة.
• وزارة الخدمة الاجتماعية (الشؤون الاجتماعية).
• وزارة الداخلية.
وبالنسبة للمُدمنين الأثرياء توجد مَصحَّات كثيرة كبيرة وفاخِرة لا تقل عن الفنادق من فئة خمس نجوم وتقع في مناطق هادئة في مصر؛ كحلوان، والمعادي، والمهندسين، وطريق مصر الإسماعيلية الصحراوي، وهي تتقاضى مبالغ ضخمة مُقابل إقامة المدمن وعلاجه وإعادة تأهيله، غير أنه يَندر أن يتخلَّص أحد من زبائنها من الإدمان!
أما اليمن فإنها – بالنظر إلى أوضاعها الاقتصادية غير المواتية – لم تتمكَّن من إنشاء مصحات خاصة لعلاج المدمنين، واكتفَت بفتح أقسام ألحقتْها بالمستشفيات الحكومية يتردد عليها عدد قليل مِن مدمني القات الذين تحالَف ضدهم الإدمان والأمراض على اختلافها وكبر السن وهكذا الوضع في باقي الدول العربية.
وهنا نوضِّح عقب هذا العرض أن مَصحات علاج المدمنين تتوزع بين:
• المصحات الحكومية.
• المصحات الخاصة، وهي في الأعمِّ مثل المستشفيات الخاصة.
• المصحات التابعة لمُنظَّمات المجتمع المدني.
ولكلٍّ من هذه الفروع من المزايا ونقاط الضعف التي تواجِه مسيرة عملها؛ مثل تخوف المدمنين وأسرهم من اللجوء إلى المصحات الحكومية خوفًا من التسجيل لدى الأجهزة الأمنية، وما يتبَّعها من تتبُّع ومُراقبة وربما الحجز.
هذا بخلاف ما توليه الأسرة حاليًا من تركيز جهودها عن طريق المحاضِن الأسرية في معالجة الشخص المدمن لديها؛ وذلك بهدف:
• تجنُّب محاسبة المدمن من طرَف سلطات الدولة.
• تركيز جهود المعالَجة بهدف ضمان الشفاء.
• مُتابعة فورية للمدمن؛ بحيث تُحقِّق تجنُّب المعاناة والقرب منه بهدف المتابعة أولاً بأول، وعدم انفلات وهروب المدمن من العلاج؛ حيث ظهرت مؤخَّرًا المحاضن الأسرية، والتي في الغالب تُعدُّها الأسر الميسورة الحال لعلاجها فرد الأسرة المدمن.
كما أنها:
تساعد على الحفاظ على مستقبل المدمنين أمام أعيُن ذويهم من ناحية:
1- تكثيف الجهود لمُحاوَلة إعادتهم إلى حياتهم الطبيعية وتَمام شفائهم.
2- إحكام القبضة على تصرُّفاتهم وإبعادهم عن السلوك الإجرامي الذي قد يَنجرِفون إليه مع أصدقائهم وزملائهم.
3- الحفاظ عليهم، خاصة وأنهم يَرفضون – وبقوة – العمل حتى الشريف منه رغم إتاحته لهم وحصول البعض منهم على مؤهلات عُليا بفضل مؤازرة أهاليهم.
ثم تحدَّث الفصل عن بيوت التأهيل والبرنامج العلاجي، ودور الأسرة في البرنامج العلاجي وبرنامج الرعاية المكوَّن من الـ 12 خطوة.
الفصل السادس: عن الأسرة وتأهيل المدمنين، وأهمية سلوك التعاطي، وتركَّز الحديث في الفصل عن دور الأسرة لإنجاح معالَجة المتعاطي؛ مثل:
• دور الأسرة في إقناع المريض في المُثول للعلاج.
• أهمية التزام الأسرة بأسلوب العلاج والالتزام ببُنوده.
الفصل السابع: عن المَحاضِن الأسرية، وبدأ الفصل بدراسة أسباب التعاطي؛ حتى يمكن الاسترشاد بها في أسلوب معالجة المتعاطي بدءًا من:
• الأسباب العائدة للفرد المُدمن.
• الأسباب التي تعود للأسرة.
• مسؤولية المجتمع.
ثم تحدَّث الفصل عن:
• دوافع إقامة المحاضن الأسرية.
• المحاضن الأهلية.
• الأُسس السليمة لبناء الأسرة.
• البيئة الأسرية المُضطربة.
• تعامل الأسرة مع المدمن.
• مُشكلات العلاج الأسري.
كيف تتعامل الأسرة مع المدمن:
ولا بدَّ من الإشارة إلى أن الإحصائيات أكدت أن المدمن الذي يَحصُل على مساندة أسرية صحيحة يكون معدَّل تعافيه أعلى بكثير من غيره.
كيف يتمُّ العلاج:
إن هناك عناية خاصة بمَن ابتُلي بهذا الداء لمُساندته وانتشاله من مأساته ومعالجته، باعتباره مريضًا ويحتاج إلى علاج، وذلك على النحو التالي:
1- إذا كان لدى المدمن استِعداد للعلاج فيُمكِن حُضوره للمجمع بنفسه أو بمرافقة ذَويه أو زملائه ومُعالجته عن طريق المجمَع دون التعرُّض له من قبل جِهاز مكافحة المخدرات.
2- إذا كان المريض يرفض العلاج فيُمكن لذويه تقديم طلب رسمي إلى إدارة مكافحة المخدرات أو أحد فُروعها في الدولة بطلب علاجه قسرًا، وسوف يتم إحضاره من قِبَل إحدى فِرَق المكافحة الذين يَرتدون الزى المدني بالتنسيق مع ذويه وإخضاعه للعلاج قسرًا وبسرية تامة، وهذا يمثل أحد صور التعاون والدعم من الدولة تجاه مُدمني المخدرات، ولصالح الأسرة المنكوبة.
الخاتمة والتوصيات:
هكذا ظهرت لنا طرق وأساليب علاج مدمني المخدرات وما يُشكِّله ذلك من عبء على الأسرة والأهل، سواء الأب أو الأم أو الأخوات والأصدقاء، كما ظهَر لنا قيود انضمام المدمن إلى أيٍّ من مراكز العلاج، سواء الحكومية أو الخاصة أو التابعة لمُنظَّمات المجتمع المدني، وما يُمثِّله ذلك من معاناة إذا كانت هذه المراكز بعيدةً عن أماكن سكن هذه الأسرة الذي يوجد مُدمن بين أفرادها.
ونتيجةً لمعاناة هذه الأسرة اتَّجهت نِسبة كبيرة منها إلى إقامة حَضانات أسرية في منازلهم في مُحاوَلة منها في تحقيق أفضل وأنجح الأساليب في مُعالَجة المريض، خاصة وأن وجود الأهل والأصدقاء المقربين إلى قلب المريض يُمثِّل عاملاً مساعدًا في سرعة وتحقيق علاج ناجح.
يستطيع كل مَن تَعاطى المُخدِّرات أو أدمنها أن يتوقَّف عن التعاطي وحده أو قد يَحتاج إلى برنامج علاجي كامل، وتُعتبَر الفترة التي تلي العلاج الدوائي وانتهاء أعراض الانسحاب من الإدمان أهمَّ فترة يجب التخطيط لها؛ حتى يصل الناقهون من الإدمان إلى المعافاة الكاملة حماية لهم من شبح الانتكاس والعودة للإدمان.
و
الادمان على المخدرات ليس فقط مرضًا ولكنه نمَط حياة، وأولئك الذين قرَّروا الإقلاع عن الإدمان والعودة إلى الصحة النفسية فإنهم كالمُهاجرين من مجتمع إلى مجتمع آخَر داخل نفس المدينة والمكان، فالتوقُّف إذًا ليس فقط التوقُّف عن تَعاطي عقار أو مخدر ولكنه تأقلم جديد لحياة جديدة في مجتمع الأمل والاطمِئنان بعيدًا عن مجتمعهم الماضي.
إنهم يَحتاجون إلى التوجيه وإكساب خبرات جديدة وعلاقات جديدة تُساعدهم في النجاح للهِجرة من مجتمع الإدمان المُظلِم إلى مجتمعهم الجديد الذين يَنشدون فيه الاطمئنان والمساعدة والأمان، ولا شك أن الأُسرة ستكون أكثر الأفراد إخلاصًا في مُباشَرة وتقديم المساعدة للمريض حتى يتمَّ الشفاء.
إن أول شيء يواجِه الناقهين من المخدرات هو:
1- الرغبة في العودة لها، وذلك الشعور يستمر معه لمدة عدة أشهر بعد العلاج، ذلك الإحساس والرغبة في العودة للمُخدرات هو نتيجة لتعوُّده لمدة طويلة عليه وتعوُّده على مصاحبة مجموعة من أصدقاء ومجموعة من الأماكن التي كان يَذهب إليها، وهو يَحتاج للإرادة حتى يؤثِّر في هذه المجموعات لا أن يتأثَّر بها مرة أخرى.
والشيء الآخَر هو احتياجه إلى مجموعة من العلاقات الاجتماعية السوية التي تُساعده على النُّضوج، وتُساعد إرادته في النمو وتُقوِّي من عزيمته، غير أنه كثيرًا ما يَخشى هذه العلاقات الجديدة لخَوفه من مَعرفة الناس أنه كان مدمنًا، ولاحتياج الصداقة الجديدة للمُصارحة بماضي الإنسان فإن هذه الصداقات الجَديدة تُسبِّب له القلق والتوتُّر وتدفعه بعيدًا عن تكوين علاقات جديدة مع أفراد أصحاء.
2- مشاكل التأقلُم مع الحياة واكتساب طرُق جديدة للإشباع بعيدًا عن المخدرات، وهذه تحتاج منه إلى تعلم أنماط جديدة من السلوك وتحمُّل ظروف الحياة، والتأقلُم مع المشاكل ومُواجهتها، وفشله في ذلك سوف يجعله يشك سريعًا في قدرته على الاستمرار نظيفًا من المخدرات خاصة أنه يَفقِد الكثير من المزاج والمرح الذي كان يَحصل عليه مع هذه المخدرات، مما يجعل رؤيته لما يدور حوله رؤية غير مُمتعة في أول الأمر، ويَحتاج لبعض الوقت للتأقلُم مع هذه الأحداث.
3- وفي خلال هذه الفترات الأولى من التأقلُم وتعلُّم أنماط جديدة من السلوك فإن حدوث آلام أو مشاكل أو توتُّرات شديدة مع عدم اكتمال تعلمه للصبر عليها وطرق التخلُّص منها، والسلوك السليم في مواجهتها، فإن هذه الآلام والمشاكل والصِّعاب قد تدفعه إلى الإحباط واليأس والعودة للإدمان مرة أخرى، مما يَستلزم مُساندته والوقوف إلى جواره.
4- هناك أيضًا الحاجة لعلاقات جديدة تَدفعه إلى الاعتماد على النفس أكثر من اعتماده على الآخَرين، ومن اعتماده على المخدرات، غير أن ذلك يَحتاج للوقت ويأتي ببطءٍ ويَحتاج لفترة طويلة وصبر وإصرار.
5- كما أن علاقات ذلك الشخص بعد تركِه للمخدرات مع أصدقائه والمحيطين به تتعرَّض لمشاكل كثيرة نتيجة لتركه لرفقاء السوء ونظرته الجديدة لهم، مما يدفع بهم إلى الهجوم عليه في مسيرته الجديدة بهدف تحطيمهم لثقتِه في نفسه وفي قدرته على الاستمرار بعيدًا عن المخدرات، مما قد يؤثِّر في مسيرته؛ حيث تكون شخصيته هشةً في هذه الفترة بالإضافة إلى ضغوط الأهل (أب وأم وزوجة وأبناء) فتتجمَّع هذه الضغوط لتؤثِّر في مسيرته إلى الصحة النفسية والنضوج.
6- ثم هنالك توفر المخدرات إما من الأصدقاء، أو من زملاء العمل، أو كهدايا تقدَّم له للضغط عليه، ولذلك فإن تعلُّمه أن يقول (لا) للمخدرات هو عامل أساسي في التحسُّن؛ ذلك أن تعاطيه لجرعة جديدة من المخدرات بعد علاجه – أيًّا كانت جرعتها وظروف تلك الجرعة والضغوط حولها – قد تؤدي إلى انتكاسة تُعيده بعنف للمخدرات.
كل تلك المؤثِّرات بالإضافة إلى ما قد يتعرض له المدمن من مشاكل دراسية أو مشاكل في العمل والحياة مع الوالدين والأسرة والزوجة قد تؤثِّر عليه تأثيرًا سلبيًّا مؤدية به إلى احتياجه إلى المزيد من جهد الآخَرين مُعالِجين وأصدقاء وأُسرَة ومُجتمَع كبير لمساعدته في المرور بمرحلة النقاهة من المخدرات بسلام، حتى عودة إلى الحياة المطمئنة السعيدة.
إن مجرد الرغبة في الخُروج من المخدرات قد لا تكون كافية في مواجَهة هذه المشاكل، بل إن الإصرار والصبر هو الحل الوحيد؛ ذلك أن الانتكاس مرة أخرى إلى المخدرات يؤدي إلى فقده الثقة في نفسه، وألمه الشديد لفشله في مواجهة هذه المشكلة، وآلام الأسرة لذلك، وآلام الأصدقاء وآلام المعالجين أنفسهم، ولذلك يجب أن تكون فترة ما بعد العلاج من الإدمان على المخدرات هي فترة اهتمام قُصوى من الأسرة والأصدقاء والمريض نفسه، وأن تكون “لا” للمخدرات هي إصرار وعزم؛ لأن الانتكاس يُفقِد الآخرين الاهتمام به، ويؤدي بهم إلى اليأس منه فتقل مساعدتهم له، وتزداد مشاكله مرة بعد أخرى.
المصدر :